الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية العمـيــد شوقي الطبيب في حوار خاصّ: التهديدات التي وصلتني، أرجّــح أنّهــا صـادرة عـن هؤلاء

نشر في  16 أوت 2017  (11:53)

بـيــنــــي وبـــيـــــــن الشـــــاهـــد، «وين تصب تنفع»

تصويت النـواب لفائـدة هـذا القـانـون خيانة لروح الدستور

ليس أقسى ولا أخطر على مجتمع من المجتمعات من أن يتسرّب فيروس الفساد الى أعضائه فينخرها ويشلّها بعد أن تنتفي قيم العمل والاجتهاد وكسب المال بالطرق الطبيعية والارتقاء في السلّم الاجتماعي بالوسائل التي يضبطها القانون.. ومنذ عقود استشرى الفساد في مؤسسات الدولة وهياكلها وفي قطاعات كثيرة وباتت الرشوة والمحسوبية والايثارات ممارسة يومية يسهر النافذون على حمايتها والتغطية عليها، ولن نذيع سرّا إذا قلنا إنّ النظام السابق خلّف تركة ثقيلة وتقاليد في الفساد وبارونات في تبييض المال ومنظومة كان لابدّ من تفكيكها لقطع أوصالها وإبطال جهنميتها.
لتطهير المؤسسات العامة والخاصّة وإرساء عقلية تليق ببلاد تحرّرت من الديكتاتورية، كان لابدّ من بعث هيكل دوره ملاحقة المفسدين وتعقبهم، فكانت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي عهد برئاستها إلى رجل مشهود له بالنزاهة ونظافة اليد والكفاءة وقبل كلّ ذلك بالوطنية، والثابت أنّ كل هذه الخصال تجتمع في شخص العميد شوقي الطبيب الذي تكلم خلال الحوار الذي بين أيديكم بعفوية وصراحة وسمّى القطّ قطّا كما لم يجامل خوفا على الكرسي أو تزلّفا لمن ينصّبون ويعزلون، ووقف على المسافة ذاتها من كلّ الأطراف ولم يمضغ كلماته وأشار إلى المذنبين والمقصرين بجرأة الواثق بنفسه المعتد بأفكاره والمقدّر لحجم المهمّة الوطنية التي تقلدها، وهي اجتثاث الفساد واستئصاله.

ـ السيد العميد، ماهي القنوات المعتمدة من قبل الهيئة لمكافحة الفساد والكشف عن الفاسدين؟
القنوات والوسائل التي تعتمدها الهيئة كثيرة، وهي عادة منطلق للبحث والتقصي والنبش في ملفات فساد، ومن ضمن هذه «الأدوات» الرّقم الأخضر المجاني والإحالات المقدّمة من الإدارات والهياكل والمؤسسات، إضافة إلى تبليغات المواطنين والمجتمع المدني والتي هي محاطة بسريّة تامة توقيا من كلّ عملية انتقامية.. وحتى ننصف كلّ مزوّدينا بالمعلومة، نعترف بأنّ الصحافة الاستقصائية تمثل أحد الروافد الهامة التي نستأنس بها للبحث عن الحقيقة والوصول الى إحدى بؤر الفساد الإداري والمالي.
ـ كلّ مكونات المجتمع معنية إذن بمحاربة آفة الفساد، وما الهيئة سوى حبل وصل بين مختلف الأطراف المعنية بالمسألة؟
العبء يقع على كاهل الجميع، وكلّما كان التعاون أوسع وأمتن، كان المحصول أوفر والنتائج أغزر، ونحن نعوّل على الحس الوطني لإدراك ما نطمح إليه.
ـ الفساد أصناف، فبأيّ منها تعنى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد؟
لقد التزمت الهيئة بمقاومة الفساد الإداري والمالي في القطاعين العام والخاص، فالفساد في الصفقات العمومية يكلّف المجموعة الوطنية سنويا ألفي مليار.. كما اكتسح الفساد العديد من القطاعات والمجالات الحيوية كمجال اللحوم، واسمحوا لي هنا بأن أشير الى العمل الجبّار الذي قامت به الهيئة لكشف الفساد الذي ينخره منذ عهد بن علي وإلى غاية اليوم، والذي يتمثل في تزويد المبيتات الجامعية والثكنات باللحوم الفاسدة.. واعتقادي راسخ أنّ التهديدات التي وجّهت إليّ لها علاقة بهذا الملف.
ـ أهذا ما يفسر الاحتياطات الأمنية الموضوعة على ذمة مقر الهيئة؟
لقد زارني مؤخرا مندوب مجلة «لوبوان» الفرنسية ولاحظ العكس تماما، أي أن الحماية طبيعية ولا توازي المهمة الحساسة التي تضطلع بها الهيئة.
ـ لماذا حرب يوسف الشاهد على الفساد طالما أنّ هناك مؤسسة وطنية أنيطت هذه المهمّة بعهدتها؟
الحرب التي أعلنها الشاهد على الفساد لا تغيّب الهيئة ولا تكبّلها أو حتى تحدّ من صلاحياتها، فنحن نتكامل في تناغم تامّ، والمثل العامّي يقول «وين تصبّ تنفع» والخليفة العباسي هارون الرشيد يقول: «أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك»..
ـ ما الجديد حول شبهة الفساد التي تورّط فيها شقيق وزير في الحكومة الحالية، من خلال التدخل في صفقة للأكياس البلاستيكية؟
الملف بحوزة  الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وقد تعهّدنا بالبحث فيه.
ـ حتى تكون الصورة أوضح، كيف تعرّف، السيد العميد، الفساد الإداري الذي تقاومه الهيئة؟
التلاعب بالقانون والانتدابات دون مناظرات في الوظيفة العمومية وعدم الالتزام بالمقاييس والمعايير المعلنة في بلاغات الانتداب، وكذلك التصرفات المخالفة للقانون وللتراتيب الجاري بها العمل.. وفي هذا السياق أبرمت الهيئة اتفاقيات إطارية مع عدة وزارات بهدف منع الفساد وسوء الحوكمة.
ـ ما تعليقك على إقرار هيئة مراقبة دستورية القوانين يوم 8 جويلية الفارط بعدم دستورية الفصل 33 من قانون الأحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية؟
يعتبر انتصارا لدولة الحق والمؤسسات والقانون لأنّ ما قام به النوّاب المصوتون لفائدة القانون الأساسي للهيئة الدستورية للحوكمة الرشيدة يعتبر خيانة لروح الدستور، ثمّ إنّهم يريدون الحدّ من استقلاليّة الهيئة وصلاحياتها فضلا عن محاولة تشويه ذمّتنا المالية، كما أعتبر قانون الهيئات الدستورية مفتعلا وغير بريء بالمرّة، وبقدر ما تنتفي مشروعيته، لا حاجة لوجوده أصلا، بل إنّه تجريد ممنهج للهيئة من صلاحياتها، وهنا أشير إلى الترويع الذي خضع له النواب، فقد خيّروهم بين التصويت لفائدة القانون وإلا «دخل شوقي الطبيب بيوتكم وتولّى منصب القاضي والحكم»..
ـ كيف يتعامل القضاء مع ملفات الفساد التي توجّهها له الهيئة؟
ممّا لا يرقى إليه شك هو أنّ النسق بطيء ولكن هناك أسباب موضوعية تبرّره، منها محدودية الإمكانات وعدم توفر العدد الكافي من القضاة، ثمّ إنّ المنظومة التشريعية متخلفة وغير معترفة بجريمة الفساد.
ـ هل تحمي هيئتكم المبلٌغين عن الفساد؟
حماية المبلغين جزء لا يتجزأ من مهمّتنا، فدورنا الطبيعي أن نحميهم من كلّ أشكال التنكيل والتمييز، وما دمنا هنا، نرجو إصدار النصوص التطبيقية لقانون حماية المبلغين عن الفساد.
ـ ألا تخشى ردود فعل انتقامية من قبل الفاسدين؟
منذ إنشاء الهيئة وأنا أتعرّض للتهديدات من مخربي البلاد والاقتصاد ولكنّ تهديداتهم لم تثنني ـ ولو لحظة ـ عن مواصلة النضال من أجل قيم الحوكمة الرشيدة، فالواجب الوطني يملي عليّ ألاّ أتخاذل أو أتراجع في الحرب المقدسة على الفساد.
ـ هل تعتزم، السيد العميد، الترشح لرئاسة الهيئة الدستورية للحوكمة الرشيدة؟
لن أترشح...
ـ هل تعتقد أنّه بالإمكان استئصال الفساد بعد أن ترسخ في ربوعنا وثبّت جذوره؟
إذا تم تطبيق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد والتي أعدتها الهيئة، سيقضى على هذه الآفة المدمّرة، فهذه الاستراتيجية تنطوي على خطة عملية وذات نجاعة قصوى.
ـ يشكك البعض في استقلالية الهيئة بتعقب أشخاص معينين ومؤسسات وقطاعات دون غيرها وذلك تطبيقا لتعليمات فوقية، فما هو ردّك على هذه التهمة؟
هذه التهمة مردودة على أصحابها، فأنا محام وحقوقي ولا يمكن أن نتعامل هيئة أرأسها  بمنطق المكيالين والميزانين و«هذا فرض وهذا سنة».
ـ وهل تدخّل رئيس حزب أو شخصية نافذة لفائدة شخص تعلّقت به تهمة فساد؟
لم يحصل، وقد يكون مردّ ذلك أنّ من تخامره الفكرة يعزف عنها لعلمه أنّي سأرفض مجرّد الخوض في الموضوع.

أمّن الحوار: نجيب الخويلدي
ومحفوظ السعيدي